إن أصل ومصدر الأدوية الكيمائية المستخدمة حاليا في علاج الأمراض هو النباتات والأعشاب الطبيعية . و على الرغم من التطور الهائل في علم الأدوية وظهور أعداد هائلة منها في شتى مجالات العلاج وخاصة خلال القرن المنصرم فإن الفترة الحالية تشهد عودة إلى استخدام الأعشاب الطبية في علاج الأمراض كواحدة من أهم أفرع الطب البديل ( Alternnt Medicine ) ولا يقتصر الاهتمام بالتداوي بالأعشاب على الدول المتقدمة بل تعداها إلى الكثير من بلدان العالم النامي .
ولكن هناك فارق كبير بين استخدام الأعشاب في علاج الأمراض في الحقبة الماضية وبين العودة إلى استخدامها في الوقت الحاضر .
ذلك أن الأخير وضعت له قوانين وضوابط ومعايير تحدد مقدار الكمية التي تؤخذ الجزء الطبي من النبات واستطباباتها والأعراض الجانبية المصاحبة لاستخدامها وكذلك التفاعلات ( التداخلات الدوائية بين بعضها أو بينها وبين الأدوية الكيمائية ) .
أما في الفترة الماضية فقد كانت تستخدم هذه الأعشاب بلا معايير أو ضوابط وإنما كانت تستخدم بناءً على تجارب سابقة بغض النظر عن نوع المرض والسن والجنس لمن يستخدمها لأن بعضها قد يؤثر على المرأة التي في عمر الإنجاب .
وأذكر على سبيل المثال ، حادثة وقعت في قسم الإسعاف حيث أحضرت امرأة في نهاية عقدها الثاني وبعد الكشف عليها تبين أنها تعاني من فشل كلوي حاد وبعد السؤال عن السبب وجد أنها كانت تستخدم أعشابا بكميات كبيرة أعطيت لها لأنها كانت تعاني من بعض الأمراض المزمنة ، وعندما أرسلت عينة من هذه الأعشاب لتحليلها بكلية الصيدلة وجد أن هذه الأعشاب تحتوي على مادة تترسب في الكلى وتؤدي إلى فشل لوظائفها .
والسؤال الذي يطرح نفسه :
* هل نستطيع أن نستعمل هذه الأعشاب بأمان دائماً ؟
الكثير من الناس يعتقد أن كل الأعشاب يمكن استعمالها بدون خوف حيث أنها من إنتاج الطبيعة وبالتالي فهي آمنة وخالية من الآثار أو الأضرار الجانبية وأن هذه الأدوية المخضرة كيمائيا ضارة بالجسم ، فهل هذا صحيح ؟
من المؤكد أن الطبيعة هي مصدر كل خير ولكن لا ننسى إن الكثير من سموم مستخرجة من الطبيعة أيضا لذلك فما نحتاج إليه هو كيفية الإختيار مما تقدمه لنا الطبيعة .
* ما هي الأخطار المحتملة عند استعمال هذه الأعشاب ؟
- أحدها الغش فعند شراء الأعشاب من مصادر غير موثوق فيها قد تتعرض للغش وذلك عن طريق خلط الأعشاب الطبية بأعشاب أخرى عديمة الفائدة بقصد التمويه لكي لا تعرف هذه الخلطة مما قد تسبب خطرا على الجسم .
- ومنها أن تكون مجهولة التركيب فغالبا ما تباع الأعشاب على أنها علاج لسقوط الشعر أو الصدفية وذلك بدون ذكر معلومات عن محتوى ونوعية هذه الأعشاب بحيث نستطيع التأكد من فاعليتها ، وكثيرا ما نسمع عن هذه الخلطة ( سرية ) .
- تفاعلها مع الأدوية الأخرى فالأعشاب الطبية باعتبارها أدوية قد تتفاعل مع بعض الأدوية الأخرى التي نستعملها في نفس الوقت مما قد يؤدي إلى خطورة في بعض الأحوال وخاصة عندما لا تخبر طبيبك عن استعمالك لتلك الأعشاب ، فعلى سبيل المثال الثوم كغذاء طبيعي معروف بتأثيره المضاد لتجلط الدم فإذا كنت تعاني من زيادة في لزوجة الدم وقد وصف لك أدوية لتلك اللزوجة وأنت تتناول الثوم بكميات كبيرة تكون معرضا في هذه الحالة إلى نزيف نتيجة السيولة الزائدة .
وأود أن أشير هنا إلى أمر مهم وهو خطأ يقع فيه بعض الناس وخاصة أولئك الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة كارتفاع الضغط أو السكر وهو أنه عندما يستخدمون هذه الأعشاب يتركون الأدوية التي وضعت لهم من قبل الطبيب وهذا خطأ من ناحيتين الأولى أن هذه الأدوية بجرعاتها المحددة التي يتناولونها مسيطرة على أعراض هذه الأمراض . وتركها قد يؤدي إلى انتكاسة للمرض شديدة والناحية الأخرى أن هذه الأعشاب لم يتم اختبارها علميا وإذا اثبت فعاليتها فإنه لا يعرف المقدار الذي تؤخذ به ، وإلى الآن لا يوجد نبات طبي أو عشبة لها القدرة على علاج هذه الأمراض المزمنة .
* الكثير من الناس يتسائل عن استخدام العسل والحبة السوداء وكذلك مما يصنع على شكل مشروبات كالزنجبيل والشيح وغيرها ، هل هي آمنة وليس لها أي أضرار ؟
العسل قد ورد ذكره في القرآن ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه في شفاء للناس ) وله منافع عظيمة واستطبابات كثيرة وهذا لا يعني أنه مأمون دائما وليس له أضرار وقد ذكر الإمام ابن القيم في كتابه النبوي بعضها ومما يجب التنبيه إليه أنه يجب إلا يستخدم للأطفال الذين أعمارهم أقل من سنة وذلك لإحتوائه على كائنات دقيقة تتحول إلى ميكروبات ضارة في الجسم قد تؤدي إلى أمراض عصبية مزمنة .
وأما الحبة السوداء فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( عليكم بالحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السأم ) . وهي الكمون الأسود وهي كثيرة المنافع وتستخدم على عدة أشكال فتستخدم لعلاج الربو واعتلال البطن وغيره ولكن لا ينبغي الإسراف في تناولها وأخذها بكميات كبيرة فقد تؤدي إلى أضرار جانبية .
وأما الأعشاب الأخرى كالزنجبيل والشيح والحلبة وغيرها التي غالبا ما تستخدم على شكل مشروب فلها فوائد كثيرة وتستخدم في علاج أمراض الكبد والمعدة وغيرها .
* و خلاصة القول :
أن استخدام الأعشاب الطبية ليس آمناً دائما وإذا كنت تتناول أدوية فيجب إخبار طبيبك قبل استخدام هذه الأعشاب وسؤال الصيدلي عما إذا كان هناك أي تداخلات دوائية معها .
ويجب الحذر من الأعشاب ذات ( الخلطة السرية ) التي لا تعرف مكوناتها لأنه يصعب تحديد مدى ضررها وتأثيرها على الجسم .
وينبغي أن نشير هنا إلى ضرورة تقنين استخدام هذه الأعشاب الطبية خاصة وأنها تحتوي على العديد من المواد الفعالة وكذلك إعطاء رخص وتصاريح لممارسة مهنة الطب الشعبي .